shimery.com
New Page 1
 
shimery.com



سفارة اليمن بمصر


المكتبة

حنين 
شعر 
2004 

لله الأمر من قبل ومن بعد.
فإني منذ كنت في مراتع الطفولة، ومرابع الصبا، علّق الله فؤادي بلغة الفصحى، لغة التنزيل المقدس من العزيز الحكيم، لسان نبيه محمد، نبي التوحيد والبيان عليه الصلاة والسلام.
وتعلق فكري وذوقي بالقريض الشعري، من نصوص الأدب العربي المتينة لفظًا ومعنى، في شتى الأغراض الحماسية والشاجية، ومازلت أحفظ بعض المطارحات الشعرية من مجالس الأسمار وأخبار المنازل والديار، منذ نعومة أظافري، وقد كانت مفردات الحنين، ومثيرات الشجو من أدب العرب وحنينهم تتقاطر على وجداني كتقاطر الندى في خُدود الورد.
ولم يشغلني شاغل أو يصرفني صارف عن تلك المناهل العذبة التي ساعدت على نمو الحب إلى حد الوله بوطني، وأمتي، وبلادي.
وكلما ازدادت صرامة الحياة، وتنوّع المهام، وتكاثرت الشواغل، زاد غرامي، وولائي حتى أصبح شغفي هوى يحاصرني، وعشقًا للحنين يلازمني، ونزوعًا إلى أدب المهاجرين المتغزلين بأوطانهم، وكلما سافرت عن وطني الأول، وجدت نزوعي إليه يجبرني على التغني بحبه، ويخامر وجداني عشقه، حتى تشيعت لهواه، ودفعني ذلك الشغف الهتوف لاقتناء كل كتب الحنين إلى الأوطان وهي كثيرة، وجعلت أقلب فيها النظر، وأنعم السمع والبصر، حتى شاطرت أولئك المحبين الذين غلت مراجل العشق في مهجهم، ونثروا أرواحهم في تضاعيف قصائد حنينهم وحبهم.
وجدت نفسي في معتقل الحنانين، وهم حولي بين متأوهٍ وشاك، وباك من البعد والحنين، وبين فرح مبتهج بالعودة إلى وطنه، حتى فهمت أحاديث النجوم، ومناجاة القمر، وبوح البلابل، ونوح الحمام.

قالوا أليس الحسن في كل الدُّنا ________________________
فأجبتهم إني أُحبُّ الأحسنا ________________________

 

فعلامَ لم تَمدح سواها موطنا ________________________
أبدًا وأحسن ما رأيتُ بلادي ________________________

تلك الصحبة المريرة الشاجية، في موكب الحنين، ومختارات القدامى والمحدثين، طالبتني بالوفاء لدموع المبعدين النازحين عن أوطانهم وديارهم، بعدًا، واغترابًا غير محدد الأمد، وعلى غير موعدٍ مؤكد من العود الأحمد، كاغتراب شعراء فلسطين الذين طردتهم وشردتهم إسرائيل عن بلادهم وديارهم وأهلهم، وأغلقت دونهم كل أبواب الأمل في العود إلى مساكنهم، ومراتع الصبا في بلدانهم.
فرنت في أُدُنَي قلبي أصوات حنينهم، ونشيج ضلوعهم، بما يُمزِّق النفس ويقضي على صفو الحياة:

ما يهبُّ النسيم إلا وجدنا ________________________
تحمل الطلَّ للرياض وتذكي ________________________
آه ويح الغريب ماذا يقاسي ________________________

 

طَيَّهُ زفرةً من الأوطانِ ________________________
في الحشا لفحةً من النيرانِ ________________________
من عذاب النوى وماذا يعاني ________________________

وإن الأنكى للقلب أن تتحكم يد النَّوى في المطرود عن بلاده؛ فيبارحها بجسده، ويبقى فؤاده مقيمًا فيها، في ظل موت الأماني، والآمال بالعودة إلى بلده.
ومن أجل أولئك المحرومين من حق العودة، المغرمين بأوطانهم، ووفاءً لحبٍّ تملكني واضطرم في مهجتي؛ قمت بجمع بعض نصوص الحنين، والصلاة في محراب الوطن، من دواوين الشعراء الأقدمين، ومن مخطوطات جمة، بعضها لم تطبع بعد، ومن قصائد وحيدةٍ وفريدةٍ، معظمها من مجموعات سبقني بها السابقون الأولون، ممن كتب وجمع في هذا الغرض الشعري، وقد أشرت إلى تلك المصادر في هوامش المختارات، حفاظًا على أمانة البحث، ومراعاةً للحق العلمي لأصحاب الفضل عليّ.
وأضفت من النصوص الكثيرة التي لم يسبقني إليها سابق، وفاءً وامتثالا لحبي وحنيني.
معترفًا بأن بعض الشعراء الذين لم يعانوا حق المعاناة من الاغتراب والابتعاد الطويل، جاءت نصوصهم أضعف كثيرًا من حنين المحرومين من أوطانهم، وكما قيل: لست النائحة كالثكلى.
كما أن سعة ما بين يدي من الدواوين، والنصوص لأصدقائي المعاصرين أجبرتني على إصدار ما جمعت دون استقصاء، فبعض نصوص مهمةٍ ورائعةٍ لم تجد مكانًا في هذا الجزء، لأنها وصلتني متأخرة والكتاب بين يدي المطبعة، وبعضها عرفت عنها، ولم أتسلمها بعد، لذلك فالعزم إن مدَّ الله بتوفيق من عنده وفسحةٍ في الأجل، وبسطة في الوقت والرزق أن أصدر مجموعة أخرى في جزء قادم بإذن الله. منتقيًا من القديم السهل اللين، مع الحديث المرن، راجيًا لكل غريب أن يلقى أهله، ويعود لوطنه ويغرد:
ويا وطني لقيتك بعد يأس
كأني قد لقيتُ بك الشَّبابا
وكلُّ مسافرٍ سيعود يومًا
إذا رُزِقَ السَّلامةَ والإيابا
وإذا كان من فضلٍ نسدي شكره لأحد في هذا الكتاب، فلله وحده الذي هدى وأعان، فله الحمد ملء السماوات والأرض وملء كل شيء كما يحب ويرضى. والشكر لمن أعانني، وشجعني، وتفانى في مساعدتي، وأخص بالشكر: الأستاذة الأديبة "مسك محمد الجنيد" من تعز باليمن، والأديب الفاضل "حسام محمد أنيس"، والشاعر "محمود شحاتة" من مصر، ولكلِّ الإخوة والأخوات في مكتبتي بمنتدى المثقف العربي بالقاهرة، وبمؤسسة الإبداع للثقافة والآداب والفنون بصنعاء.
والله أسأل أن يجعل فيما قمت به من جهد عملا نافعًا، وإضافة مفيدة لمكتبة الأدب العربي والحمد لله رب العالمين.

 
  رجوع 
shimery.com
مقالات | ألبوم الصور | مؤتمرات | لقاءات صحفية | نشاط ثقافي
لمراسلة موقع السفير راسلنا علي
info@shemiry.com