shimery.com
New Page 1
 
shimery.com



سفارة اليمن بمصر


متابعات صحفية

أوردت :  الثقافة -العدد3
بتاريخ : 6/8/1963
الموضوع :

حضارات متباينة في الماضي وحضارة واحدة في المستقبل
نحن نستشرف إلى الإسهام في الحضارة بالقدر الذي تمكننا به قوانا، كما فعلنا من قبل في إنشاء الحضارة العربية، وإن كان التاريخ لا يقبل الإعادة ولا يتكرر الحديث الواحد فيه مرة أخرى.
فكيف نتسلح بالوسائل التي تكفل لنا القوة على هذه المشاركة؟ وماذا نستهدف من هذه الحضارة؟
وللجواب عن هذين السؤالين الأصليين ينبغي أن نحسب حساب الأوضاع الطارئة على العالم، لأننا إنما نعمل في هذا العالم لا في غيره، ونتأثر بكل ما يجري فيه: فعلا، وانفعالا.
وأبرز سمة في هذه الأوضاع الطارئة: وحدة العالم اليوم من حيث الأتصال.
لقد زالت الحواجز بفضل الأجهزة الالكترونية (الراديو والتلفزيون اللاسلكي) وبفضل الصواريخ والأقمار الصناعية والملاحة في الفضاء، ولم يعد في وسع قوة مهما كانت أن تحول بين الناس بعضهم وبعض في إيصال المعلومات وتبادل الأنباء. وفي خلال عامين أو ثلاثة لن يكون في العالم كله دولة واحدة خاضعة لدولة أقوى منها.
وهذا العامل الجديد من شأنه أن يغير الأساس الذي كانت تقوم عليه الحضارات في الماضي: أعني الانفصال والهوات غير المعبورة بين عوالم لكل منها روحها وبيئتها ومناظرها وأدواتها.
لقد كانت الحضارات تقوم في الماضي في مناطق محددة تمام التحديد من حيث المكان، وتبعًا لهذا أيضًا من حيث الزمان: فكانت الحضارة المصرية القديمة، والحضارة الصينية، والحضارة الهندية والحضارة اليونانية الرومانية، والحضارة العربية، والحضارة المكسيكية. ولكل منها روحها الخاصة ورمزها الأولى وما يتفرع عن هذه الروح من مظاهر تتبدى في ألوان النشاط التي تمارسها: من علم وفن ودين وفلسفة وصناعة فنية وقانون ونظام سياسي إلخ. وتاريخ هذه الحضارات يشهد على تنوعها واختلاف روحها وتعدد مظاهر نشاط هذه الروح ولا محل للتنازع في هذا الاختلاف الواضح البين، ولا أفهم أبدًا أن يجادل أحد في هذا الاختلاف: من ذا الذي يستطيع أن يقول أن الحضارة اليونانية هي بعينها الحضارة المصرية القديمة، أو الحضارة العربية، أو الحضارة الصينية، أو الهندية أو المكسيكية؟
ولكني بهذا التقرير للتعدد بين الحضارات وتباين روحها أقرر أيضًا أنه لا محل للتفرقة بين شرق وغرب فيما يتصل بالحضارة. أولا لأنه لا يوجد شرق مطلق وغرب مطلق، من الناحية الجغرافية: بل الشرق شرق بالنسبة إلى ما يقع غربيه، والغرب غرب بالنسبة إلى ما يقع شرقيه فالهند غرب بالنسبة إلى الصين واليابان، والشرق الأدنى (أو الأوسط) غرب بالنسبة إلى الهند، وأوروبا الغربية شرق بالنسبة إلى أمريكا، وأمريكا شرق بالنسبة إلى اليابان، وهكذا – لسبب بسيط جدا وهو أن الأرض كروية، وما دامت الأرض كروية فليس فيها شرق مطلق ولا غرب مطلق، بل كل ما فيها شرق وغرب في آن واحد: شرق بالنسبة إلى ما يقع غربيه، وغرب بالنسبة إلى ما يقع شرقيه.
وعلى هذا فلا محل للتفرقة بين شرق وغرب أساسًا، فهذه التفرقة وهمية لا أصل لها، رغم انتشارها كأنها من المسلمات، منذ الحروب الصليبية خصوصًا.
***
هذا فيما يتصل بالتاريخ العام منذ فجره حتى القرن العشرين: حضارات متعددة، كل منها تكون دائرة مقفلة، محددة زمانًا ومكانًا، ولها روحها الخاصة، وبهذه الروح تطبع كل ما يصدر عنها في كل مرافق الحياة والانتاج الإنساني.
أما في القرن العشرين فقد أحدث التكنيك (الصناعة الفنية) انقلابا محوريًا وأهم انجازاته: الطيران، واللاسلكي، والصواريخ، والأقمار الصناعية وما عسى أن يستجد في ميدان الملاحة في الفضاء والفيزياء النووية، بل أن أدوات التدمير الجماعية الجديدة (من قنبلة ذرية وقنبلة هيدروجينية وكوبلتية) لهي من العوامل الحاسمة في توحيد العالم معنويًا، بسبب التكافل في الشعور الجماعي بالأخطار التي تتهدد الإنسانية بأسرها في أي مكان كانت وإلى أي جنسية أو لغة أو دين انتسبت.
***
فإذا تقررت هذه الواقعة، واقعة اتجاه العالم نحو التوحيد بحيث يصير عالمًا واحدًا أو جسمًا واحدًا، فإن من الواضح أنه لم يعد ثم محل للاعتبارات القديمة التقليدية.
وأول هذه الاعتبارات السؤال: إلى أي حد نشارك في نتاج العالم، بالمعنيين: المادي والروحي، والروحي نقصد به كل ما يصدر عن الفكر الإنساني؟
فقد أصبح سؤالا غير وارد كما يقال، لأنه وقد سار العالم في التوحيد فلا محل للممتنع عن المشاركة في إنتاج العالم كله بمختلف تياراته واتجاهاته وانجازاته. لأن من يأخذ شيئًا دون أن يشارك في الكل، يفقد الشيء نفسه مع الكل، وأنه لا يوجد منعزلا قائمًا برأسه، بل كل انجاز أو نظرية أو تيار أو مذهب يرتبط عضويًا بكل لا ينفصل عنه. وكما أنك لا تستطيع أن تركب جهازًا من عدة أجهزة ذوات نظم مختلفة، ولا كائنًا حيًا من أعضاء شتى تنتسب إلى كائنات متباينة، كذلك لا تستطيع أن تأخذ جانبًا أو نظرية أو مذهبًا دون أن تأخذ الكل أو الجهاز الذي يندرج فيه وينتسب إليه.
ولهذا ينبغي إذا أردنا أن نسهم في هذا الكل الحضاري الذي يسعى العالم إلى تأليفه – أقول: ينبغي أن نأخذ الكل أو المركب بكامل اجزاه، وبالروح التي تسوده، وبالطريقة العضوية التي تمسك به.
ومعنى هذا أن نفتح كل الأوردة لتلقي الدم الذي يمسك الحياة فينا ويمكن بنيتنا من الحياة ثم الإنتاج والإبداع والإسهام في فعل الخلق الحضاري، يجب أن نفتح نوافذنا للأشعة كلها من أية ناحية جاءت، فندرس ونتعمق ونتمثل كل المذاهب والتيارات والنظريات الفكرية والعلمية، ولابد سينبثق عن هذه الدراسة المتعمقة النافذة الشاملة المركب الفكري الذي سيكون أداتنا في الإبداع الفكري والخلق العلمي والابتكار الحضاري، وكل حد أو قصر في هذه الناحية لابد محدث أثره السيء: أعني حد قدرتنا على الابتكار وإصابة قوانا بالقصور عن المشاركة.
ولنا في الحضارة العربية نفسها خير أسوة في هذا الأمر: ألم تأخذ من كل الحضارات: اليونانية والرومانية والفارسية والهندية والصينية – دون استثناء؟ هل امتنعت من المشاركة في كل ضروب التراث الفكري للإنسانية؟ هل قالت: لا، هذه حضارة وثنية، وتلك حضارة لا تقول بالنبوات، وإذن فليس لي أن آخذ عنها؟ صحيح أن بعض الأصوات قد ارتفعت لتعلن سخطها على التأثر والأخذ والمشاركة في هذه الحضارات الآخرى، ولكنها أصوات منكرة لم يكن لها أي شأن في إيجاد هذه الحضارة الزاهية العظيمة. وإلا فما دور ابن قتيبة السيرافي وابن تيمية وابن الصلاح – ممن صاحوا في وجه هذه التيارات غير العربية – لو قورن بدور أمثال الفارابي ومحمد بن زكريا الرازي وابن سينا وابن رشد والبناني والخوارزمي والبيروني؟! ان دور الأولين دور سلبي تافه لا قيمة له في إيجاد الحضارة العربية العظيمة، بل كانوا بمثابة مسامير تريد أن تخرق عجلات الحضارة، وهيهات هيهات! أن ما ترجم عن اليونانية واللاتينية (أوروسيوس) والهندية (كتب الحساب والفلك) والفارسية (كتب السياسة والحكم والقصص) في القرون الثاني والثالث والرابع والخامس للهجرة من مولفات علمية و فلسفية اكبر بعشرات المرات كما وكيفا ( وخصوصا كيفا) من كل ما ترجمنا منذ القرن السابع عشر حتي القرن العشرين عن الحضارة الاوربية وغيرها ومن هنا كان تخلفنا تخلفا بارزا وكانت مساهمة العرب في ايجاد حضارة جديدة . ولو أستمع العرب في تلك القرون الي الصيحات المبكرة التر أطلقها أمثال هؤلاء الذين أشرنا اليهم من قبل ، لما كان ثم ما بعرف اليوم ويذكر وينوه به : أعني الحضارة العربية الزاهرة العظمية الاثر بين الحضارات الانسانية .
واعتبار ثان ينبني علي تفرقة وهمية هي الاخري ، هي الفرقة بين المادية والروحية في الحضارة والانتاج الانسانى .
فما من انجاز مادي (صناعة فتية وما اليها ) الا وكان اساسة والاصل في تحقيقة نظرية فكرية عقلية فالالات والمخترعات والاكتشافات فروع العلم كلها بنات نظريات علمية ، أي روحية خالصة . وما تقدمت الصناعة الفنية الا بفضل تقدم البحث العلمي الخالص غير المستهدف أساسًا إلى التطبيق يسيران متواكبين متآزرين لا يتقدم أحدهما إلا بتقدم الآخر، ومن الوهم الفاحش أن نضع الواحد في مضادة الآخر. فنظريات الميكانيكا العقلية والفيزياء النظرية هي التي أدت إلى اختراع الآلات والأجهزة، والأجهزة والآلات بدورها تساعد على تقدم البحث العلمي بما تيسره من أمكانيات لا تتوافر بغيرها: فمن هو العالم الذي يكتشف نظريات أو أنظمة علمية فلكية دون أن يستعين بالأجهزة والآلات! وهل سيتقدم علم الفلك إلا بفضل الصواريخوالاقنار الصناعية ؟ أو هل يتقدم الطب النظرى الا بضل الاجهزة العلمية (من مجهارات ومحارات والات وزن )؟
اما الذين يتحدثون عن المادية والروحية فى هذا المضمار فانما يفرقون بين مفهومين مختلفين تماما :
انهم يفهمون الروحية بمعنى الخوارقوالسحر وما يتجاوز نطاق العقل – فان كان هذا قصدهم من الروحية فمن المسلم لهم تماما بان هذه الروحية – المزعومة – تختلف كل الاختلاف بمعنى التفسير العقلي القائم علي التجريب والملاحظة ثم الاستقراء والاستدلال. انما الروحية التي نقصدها هنا ونفهم منها انها لا تفترق عن المادية ، بل تلازمها وجودا وعدما ، هي النزعة العقلية العلمية المبنية على مناهج البحث العلمي السليم .
وقد لاحظنا ان الذين يصفون (الشرق) (بالمعني الذي يقصدونه ) بالروحية انما يفهمون من الروحية هذا المعني ، فضلا عن ان في هذا ، اى الايمان بالخوارق والمعجزات والغيبيات ، ومن هنا يلتاث الفهم ولا يتضح المقصود ، فضلا عن ان فيهذا تعميما لا محل له . فالفكر الصينى ابعد ما يكون عن هذا ، بل هو عملي (مادى ) حتي يقصر نفسه عن الحياة الدنيا ، أنه لون من حكمة الحياة في جانبه الاخلاقي ، وصناعة فنيه دقيقه في جانله العملي الدنيوي .
وخلاصة الراي عندنا :
انه ينبغي اولا ان نطرح هذه التفرقة بين شرق وغرب ، وان نطرح التفؤقة بين حضارة مادية وحضارة روحية (اي عقلية) .
وثانيا ان نقرر ان التاريخ العالمي حتي هذا القرن العشرين كان منقسما الي حضارات متباينة مختلفة لكل منها روحها الخاصة ، وتكون دائرة مقفلة على نفسها .
اما فى القرن العشرين ، نتيجة التقدم الهائل في وسائل التواصل بين الناس، فان الحضارة تسعي الي ان تكون واحدة متحدة ، ولابد منالمشاركة فيها كلها وبوصفها كلا حتي يمكن الاباع فيها والاخذ بقسط حقيقي منها .

 

رجوع

shimery.com
مقالات | ألبوم الصور | مؤتمرات | لقاءات صحفية | نشاط ثقافي
لمراسلة موقع السفير راسلنا علي
info@shemiry.com