shimery.com
New Page 1
 
shimery.com



سفارة اليمن بمصر


متابعات صحفية

أوردت :  مصر الفتاة
بتاريخ : 25/7/1938
الموضوع :

سياستنا الخارجية وكيف تكون
تساءلنا في نهاية المقال الذي كتبناه في سياسة تركيا الخارجية عن السياية الخارجية المصرية وعما يجب أن تكون عليه.
ونريد في هذا المقال أن نحاول الإجابة عن هذا السؤال خصوصاً وـن معالي وزير الخارجية قد ألقى بيانه في مجلس النواب يوم الأربعاء 20 يوليه عن أعمال وزارة الخارجية وما أدته من عمل وما يوجهها من مباديء وأفكار.
ذكرنا أن الطابع الرئيسي لنشاط السياسة الخارجية التركية هو إقامة المجاليات وعقد المعاهدات وتبادل الزيارات حتى تتوثق أواصر الصلة بينها وبين غيرها من الدول، توثقاً يرفع من شأن تركيا في وقت السلم ويأخد بيدها إلى النصر إن قامت الحرب.
وسياسة الإتفاقات والمعاهدات ليست بالسياسة الهينة القليلة الخطر والشأن وإنما هي سياسة الظفر والنصر في وقت السلم وليس ثمة غيرها من وسيلة تستطيع بها دولة من الدول أن تأخذ مكانتها بين الدول بل أن تفرض سلطانها وسيطرتها في المعترك الدولي طالما لم تكن هناك حرب ولم يكن للنصر والظفر مجال.
وأول شرط من شروط هذه السياسة أن يكون التحالف قوياً وحراً. أما القوة فتأتيه عن إتفاق المصالح أو شدة الحاجة المتبادلة أو سمو الغاية المشتركة فكلما اتفقت المصالح واشتبكت كان من الخير كل الخير أن تنظم على أساس متين يمنع الإحتكاك أو التهديد والإضرار. وهذه المصالح قد تكون إقتصادية أو ثقافية وقد تكون ودية يقصد بها التعاون العام والتضامن.
ثم أن هذه المصالح قد ترتفع إلى درجة أكثر عموماً أشد خطراً فتصبح حاجات وضرورة لا غنى عنها وهذا يكون في ميدان السياسة بمعناها الضيق الحاد. وهذا النحو من التحالف القائم على الحاجة يبدو جلياً اليوم في السياسة الخارجية لأن العالم قد أصبح مرتبط الأجزاء عضوي التركيب لا تتأثر خلية من بشيء إلا وتأثرت به غيرها من الخلايا. ومن هذا النوع المحالفة بين فرنسا وانجلترا ثم المحالفة بين ألمانيا وايطاليا.
أما المحالفة الثلاثية بين اليابان وهاتين الدولتين الأخيرتين فهي من النوع الثالث القائم على سمو الغاية المشتركة ولو ظاهرياً فهم قد اتفقوا جميعاً أو خيل إليهم أنهم اتفقوا على محاربة البلشفية انقاذاً للمدنية ودفعا في وجوة الفوضى والبربرية.
والسياسة الخارجية المصرية تستطيع، إن كانت قوية حازمة ، أن تعقد المحالفات والمعاهدات بين الدول جلها إن لم يكن كلها اعتماداً على هذه الأنحاء الثلاثة وميدان عملها في هذا الباب محدود المعالم واضح الأركان والمحيط. فهو لا يتجاوز البحر المتوسط والدول الطله عليه إلا قليلاً والبحر المتوسط كما قال معالي وزير الخارجية "لمصر مركز خاص فيه. فهي مفتاح الشرق وباب الصلة بينه وبين الأقطار الآسيوية" وهي الساهرة على حراسة أحد أبوابة الثلاثة وأعنى به قناة السويس كما ذكرنا من قبل في مقالاتنا عن مشكلة البحر المتوسط.
فالمصالح الاقتصادية والثقافية بين مصر والدول المطلة على هذا البحر أو ذات المصالح فيه عديدة لا حصر لها ولكن مع ذلك ينقصها أن توضع على أساس ثابت متين. ومازالت صلتنا بهذه الدول صلة في بعض الأحيان فاترة متراخية وفي بعض الأحيان الأخرى ضعيفة متخاذلة بحكم ضعفنا العام وضآلة قدرنا في السياسة الدولية.
وبيننا وبين بعض الدول الكبرى حاجات مشتركة ملحة ما أجدرنا باستخدامها وما أحرانا بالانتفاع بها خصوصاً ونحن على ما نحن عليه من ضعف مادي ظاهر وركود معنوي لا خفاء فيه.
أما الغاية السامية المشتركة فلا أحسب دولة من الدول في الشرق كله تعدل مصر في مركزها الأدبي الخاص وسيادتها المعنوية الظاهرة، فأنظار الأمم الاسلامية كلها تتطلع الى مصر تطلع الساري إلى دليله والربان غلى بوصلته والغاية هنا هي رفع منارة الاسلام وبعث مجد الشرق والجهاد في سبيل انتصاره وسيادته على الغرب.
ثم أنه لا بد لهذه المحالفات ان تكون قائمة على الاخلاص وأن يقف فيها الطرفان موقف الند للند او الصديق للصديق لا يبغى أحدهم على الآخر اعتماداً على قوته وتفوقه فالحرية في عقد المحالفات مع الالحاح في عقدها مبدأ لا غنى عنه في السياسة الخارجية.
وهنا نريد أن نزيل التباساً ونصحح شبهة فقد حسب بعض المصريين انه اذا تحالفت دولتان وكانت احداهما أضعف من الأخرى فعلى هذه الضعيفة ألا تزيد قوتها ولا ترتفع من شأن جيشها اعتماداً على الحليفة.
وهذا خطأ شنيع لا يغتفر يجب ازالته نهائياً من أذهان الساسة المصريين من رجال الجيل القديم أو الذين يفكرون بعقل الجيل القديم. ويكفي لتبديد هذا الخطأ من أفهام هؤلاء أن نذكر لهم أن روسيا متحالفة مع فرنسا وهذه متحالفة مع انجلترا، وايطاليا متحالفة مع المانيا ومع ذلك لم تمنع هذه المحالفات تلك الدول من ان تقوي نفسها بكل ما في استطاعتها وبكل ما لها من حول وطول.
وما كان لمثل هذا التفكير الشائع بين ساسة الجيل القديم ان يكون إلا لأن هؤلاء ضعاف متخاذلون، ضعاف في تفكيرهم وتصويرهم للأمور وتقويمهم للأشياء متخاذلون في عزائمهم وارادتهم.
هذا أول واجب من واجبات السياسة الخارجية قد ابناه في وضوح فهل قامت سياستنا الخارجية بشيء يذكر في هذا الباب؟
اللهم لا:
نعم قد أشار المرسوم الملكي بتأليف الوزارة الحالية إلى وجوب وضع علاقات متينة بيننا وبين الدول وخص بهذا الدول الديمقراطية على الخصوص والدول كلها على العموم. ولكن مع ذلك ليس لنا أدنى صوت في السياسة الخارجية حتى في سياسة البحر المتوسط ومركزنا فيه ذلك المركز الممتاز الذي أشرنا اليه منقبل. وقد جرت المحادثات الانجليزية الايطالية التي انتهت باتفاق 16 ابريل 1938 ولم يكن لنا أي نصيب فعلي في توجيهها بل كانت كلتا الدولتين تلعب بمصر كقطعة من القطع على رقعة الشطرنج كما كشفنا عن ذلك من قبل في مقالنا عن مركز مصر في المحادثات الايطالية البريطانية.
ومع ان معالي وزير الخارجية قد قال في بيانه ان "العلاقات بيننا وبين الدول الأخرى على خير
حال من الصفاء" فلا يجب أن نفهم من كلمة "الصفاء" هنا شيئاً آخر غير عدم الاكتراث أو إن شئت فقل إن هذا "الصفاء" معناه خلوها من الود أو عدم الود وانعدام التوثيق والمتانة فيها..
ذلك لأن كل دولة تكون صلتها قوية أو ودية بدولة أخرى لابد وأن تكون بينها وبين الأخرى تحالفاً متيناً تستطيع كل من الدولتين أن تعتمد عليه اذا جد الجد واحتاج اليه الأمر: فمثل هذه الصداقة والصلة الودية هو الجدير حقاً بالتحدث عنه والتفاخر بشأنه والاعتماد عليه لأنه وحده الذي يستطيع أن ينفع الدولة إذا ما حان الوقت الذي تكون فيه في حاجة الى المعونة والمساعدة.
فهل بيننا وبين احدى الدول التي يتحدثون عما بيننا وبينها من "الصفاء" شيء من التحالف أو الصداقة على هذا النحو؟ لا أحسب انساناً من الناس يستطيع أن يؤكد هذا بحال من الأحوال ولا معالي وزير الخارجية نفسه. وهل هذا "الصفاء" المزعوم ينفعنا يوماً من الأيام يوم أن تكون الأحوال غير الأحوال والأمر أمر موت أو حياة؟ الجواب سلبي من غير شك، بينما نحن رأينا في المقال الذي كتبناه عن تركيا أن المحالفات والصداقة التي يجوز لوزير خارجية هذه البلاد أن يتحدث عنها ويشيد بها هي الصداقة الحقيقية التي تنتج خير الثمار في وقت السلم والتي لا مناص عنها في وقت الحرب.
الحق أن السياسة الخارجية المصرية سياسة عاجزة كسول لا حزم فيها ولا نشاط ولا حركة فيها ولا حياة.
ولنا عود الى هذا الموضوع مرات ومرات.

 

رجوع

shimery.com
مقالات | ألبوم الصور | مؤتمرات | لقاءات صحفية | نشاط ثقافي
لمراسلة موقع السفير راسلنا علي
info@shemiry.com