shimery.com
New Page 1
 
shimery.com



سفارة اليمن بمصر


مقالات                      

تفاصيل المقالة
رحيل طود 
 رثاء

  كلمة عن معالي الشيخ/ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري    صدر بتاريخ (2006)

لم أجد بيتًا من الشعر يسعف ذاكرتي في وداع هذا الرجل الميمون سوى قول الشاعر:
ما كنت أحسب قبل موتك أن أرى ******(رضوى) على أيدي الرجال يسير
وعندما رحل عن دار الفناء إلى دار البقاء هذا الرجل العظيم حيًا، العظيم ميتًا، أحسست بأن الدنيا لا بقاء على ظهرها لشيء جميل، وصدق العلي العظيم: "إنما هذه الحياة الدنيا لعبٌ ولهوٌ وزينة"
لقد رحل كما يرحلُ الطود الشامخ عن مكانه ولكن بزلزلةِ الموت الأقوى يدًا من أهل الأرض قاطبة، "كلُّ نفسٍ ذائقة الموت، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة"
وبرحيله لم ترحل، ولن ترحل آثاره الخالدة، وعلومه الواسعة، وكتبه النافعة، وقد بقي منه للخلود الأبدي أحرفٌ وضاءةٌ بالنور، وعلوم مشرقةٌ بالتنوير، ومعارفٌ تبقى ولو فني الزمان والإنسان، "والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربك ثوابًا وخيرٌ أملا"
وقد يحزن الناس لرحيل عظيم لفقدهم كرمه، وآخرون لفقدهم علمه، وآخرون لفقدهم شجاعته، وآخرون لفقدهم عمله، وآخرون لفقدهم ثروته، ولكن هذا الطود الراحل جمع في كل الصفات التي توجب الحزن لرحيله من كل سكان عصره، فقد كان رحمه الله، مقاتلا باسلا، ومؤسسًا راشدًا في دولة الملك عبد العزيز رحمه الله، منذ بلغت عمره الرابعة عشرة، وهو يحمل سلاحه، ويتوشح رماحه في فلوات نجد، وصحاري الحجاز، عينه تسهر يوم ينام الناس، وينطوي كشحه طاويًا على الجوع يوم يشبع الناس، وشب وترعرع على فصاحة العرب، وبلاغة المتنبي وشجاعة الفرسان.
كان أمينًا مأمونًا لدى جلالة المغفور له الملك عبد العزيز الذي عينه وزيرًا ينوب قائد الحرس الملكي، ويعتمد عليه اعتمادًا وثيقًا في عضويته لمجلس أمن المملكة، ويكافح الراحل في دروب العظماء النجباء، لكنه كان صاحب فؤاد يخفق نحو المعرفة، وخدمة العلم ويعيش أمنية الانحياز لحراثة الكتب والمجلدات بمحراث عينيه، قارئًا، وبانيًا، ومؤسسًا في المكتبة الرائدة بالمملكة العربية السعودية، وهي مكتبة الملك عبد العزيز، وكلما تقدمت به الرحلة نحو دار البقاء، زاد تقدمه نحو الخلود بالتنقل بين مناصب الولاء والثقة، وكلما تطورت حركة التحديث والتطور في المملكة العربية السعودية نرى معها الشيخ عبد العزيز يبدو شخصيةً جديدةً وحديثةً، ومطورة، فهو أيضًا كاتبًا صحفيًا، إذ عمل رئيس هيئة الإشراف على مجلة الحرس الوطني السعودي العلمية الثقافية.
ويتزامن مع طموحٍ جارفٍ لكي يرى أبناءه أبناء بلده وعقيدته من أرجاء العالم الإسلامي ليشارك في مسيرة تحديث الأوطان الإسلامية من خلال حركة الثقافة في أبنائها، والحق ما اعترف به الغرب قبل الشرق لهذا الراحل الجليل عندما يمنحه شهادة التقدير من جامعة هارفارد، شهادة تقديرٍ كأحد صنَّاع القرار البارزين.
ومالي ولهذه الصفات والألقاب وغيرها مما لا أذكر الكثير، لكن أين كان هذا الطود من حركة النهضة الثقافية والعلمية في المملكة؟
أجل، إنه كان مؤسسًا أيضًا في هذا المضمار كما كان مؤسسًا من قبل في بناء الدولة، فها هو يتولى نيابة رئيس اللجنة العليا للمهرجان الوطني للتراث والثقافة، الذي أصبح يحمل اسم الشهرة المكانية "الجنادرية" وكفاه من عمل حيث أصبح اليوم من أبرز مهرجانات العالم، وأشهرها، وإذا كان المال مطواعًا لأحد فليس إلا لكريم أكثر طواعية، فالناس يحرصون على لملمة شتات المال، ولكن هذا الرجل العظيم يحرص على أن يشتت شمله في الطاعات، والباقيات، ويكفيه إنشاء قاعة الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري بمركز الأبحاث الكبير بجامعة لندن العالمية.
وما أوسع معارفه، وما أكثر معاريفه، ففي كل بلدة له صديق وحميم، وزميل، ورفيق، وحبيب، فهو رجلٌ يألف الناس، ويألفونه.
ولكن مع كل ذلك لا شيء أبقى له في عالم الذكر مثل اهتمامه باللغة العربية الفصحى، وآدابها وخدمتها، وعليه لله نعمةً كبرى من عداد النعم هي نعمة الذائقة الجمالية للشعر العربي البليغ، والفصاحة النقية الصافية المتجسدة في أشعار العرب، وأسمارهم، والبادية ونقائها، وكتابه الموسوم بأثر المتنبي بين اليمامة والدهناء المطبوع في القاهرة سنة 1979م ليؤكد قامة هذا الرجل العالم البليغ في سماء المجد والعلم والشموخ.
كما تشهد له بباعه المديد، وقامته الفارعة، علومه الأخرى، وكتبه الثرية بالعطاء، والذوق الرفيع في فن السياسة، والأخلاق، والتاريخ، حتى كانت عناوين كتبه أشطار أبيات بليغةٍ مثل:
• ضجر الركب من عناء الطريق.
• خاطب ليلٍ ضجر.
• أسرة الليل هتف الصباح.
• أجهدتني التساؤلات.
• ركبٌ أدلج بليل.
وأمثالها كثيراتٌ كلها تشهد بأن حزننا الكبير وغزارة دموعنا على هذا الفارس المترجل أقل مما نحن بحاجةٍ لسفحه من نطف الدمع على صفحات الخدود. فرحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى، وجمعنا به في منازل الأحباب.
الدكتور عبد الولي الشميري
سفير اليمن لدى مصر وجامعة الدول العربية
رئيس منتدى المثقف العربي
القاهرة
1/12/2006م

 
  رجوع 
shimery.com
مقالات | ألبوم الصور | مؤتمرات | لقاءات صحفية | نشاط ثقافي
لمراسلة موقع السفير راسلنا علي
info@shemiry.com